آخر تحديث للموقع : الجمعة - 19 أبريل 2024 - 01:28 م

مادة خاصة: الحشيش الأخضر

الأحد - 15 يناير 2023 - الساعة 08:16 م بتوقيت اليمن ،،،

غرفة الدراسات لمركز شمسان للصحافة / خاص


وصفه أحدُ الباحثين بأنه نباتٌ شيطانيٌّ، وأدرجته منظمةُ الصحةِ العالميةِ مع المخدرات. سَحَرَ عقولَ الكثيرينَ وأَسَرَ قلوبَهم، وتوغَّلَ في المجتمع حتى بلغ متعاطوه تسعين بالمئة ذكورًا وخمسين بالمئة إناثًا، سيطرَ عليهم وجعلهم ملهوفين عليه يُصبِحونَ ويَبِيْتون مشغولين به، يَنْشُرُ سُمُومَه في أجسادِهم وهم في نشوةِ تعاطيه يَعمَهون، يَقتُلُ أوقاتَهم، ويَنهبُ أموالَهم، ويَهدِمُ صحتَهم، ويَقضي على مزروعاتِهم ويُجفِّفُ مخزونَ مياههم، ولا يزالون له مدمنين صاغرين.

فما هو؟ وما ضررُه؟ وما حكمُه؟

إنه القات الذي اكتسح ثلثي مساحاتِ الأراضي الزراعية في اليمن، واستحوذ على الأرض والإنسان مُهدِّدًا أَمْنَه الغذائيَّ تهديدًا حقيقيًّا، فصار غذاؤنا من القمح والحبوب بِيَدِ غيرِنا يُمارِسُ علينا سياسةَ التجويعِ متى شاء بعد أنْ كُنَّا نأكلُ ممَّا نزرعُ ونُصدِّرُ منه ما زاد، ومن لا يَمْلِكُ قُوْتَه وغِذاءَه لا يملك حريتَه.

فما نحن فاعلون إنْ حاصرَنا أعداؤنا بالقمح والحبوب، هل سنَخْبِزُ قاتًا أو نَسُدُّ به جوعًا، وأنَّى لنا أنْ نزرعَ في أرضٍ أهلكتْ تُرْبَتَها بودرةُ القاتِ؟
ولماذا يَتمسَّكُ به أغلبُ اليمنيين شمالًا وجنوبًا تَمَسُّكًا هستيريًّا؛ فلا يَقبلون نقاشًا في أضراره التي طَمَّتْ وعَمَّتِ الفردَ والأسرةَ والمجتمعَ والبيئةَ والأرضَ والزرعَ والماءَ؟ وهل تَزايُدُ الإقبالِ عليه مرتبطٌ بالإدمانِ أو هو العُرْفُ والعاداتُ والتقاليدُ الاجتماعيةُ المتوارثةُ جيلًا بعد جيل؟

القات إدمانٌ جماعيٌّ:

أظهرتِ التقديراتُ أنَّ القاتَ يُمثِّلُ حالةَ إدمانٍ جماعيٍّ يَتعاطاه أغلبُ الشعبِ اليمني، ويُنفقون خمسين بالمئة من دخلهم على تعاطيه، وأنَّ خمسةَ عشرَ بالمئة من الأطفال دون سنِّ اثني عشر عامًا يتعاطونه، ويَزعمُ متعاطوه أنه مُنشِّطٌ ومُنبِّهٌ مثلُ الشاي والقهوة، مع أنه مُصنَّفٌ عالميًّا نوعًا من أنواع المخدرات، فقد أدرجتْه منظمةُ الصحةِ العالميةِ عامَ ألفٍ وتسعمئةٍ وثلاثةٍ وسبعين في قائمةِ الموادِّ المُخدِّرةِ، بعدما أثبتتْ أبحاثُ المنظمةِ التي استمرَّتْ ستَّ سنواتٍ احتواءَ نبتةِ القاتِ على موادَّ مُخدِّرةٍ.

القاتُ في حكم الشرع:

أفتى جمعٌ من العلماء الموثوق بهم أنَّ القاتَ حرامٌ وأكلُه والإدمانُ عليه من الكبائر لِمَا يترتب عليه من الأضرارِ الكثيرةِ في الدينِ والعقلِ والجسمِ والمالِ والحياةِ الزوجيةِ والاقتصادِ العامِّ، وقد اتَّفقَ على تحريمِه العلماءُ المجتمعون في المؤتمرِ الإسلاميِّ العالميِّ لمكافحةِ المخدراتِ والمُسكِّراتِ المنعقدِ في المدينةِ المنورةِ في شهرِ جُمادى الأولى من سنةِ ألفٍ وأربعِ مئةٍ واثنينِ للهجرة، الذي شارك فيه ممثلون من سبعَ عشرةَ دولةً إسلاميةً، وكان من توصياتِ مؤتمرِهم الفقرةُ الثالثةَ عشرةَ بعد استعراضِ ما قُدِّمَ من بحوثٍ حولَ أضرارِ القاتِ الصحيةِ والنفسيةِ والخُلُقيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ أنه من المخدراتِ المحرَّمةِ شرعًا ، وأوصَوا بتطبيقِ العقوبةِ الشرعيةِ الرادعةِ على مَن يَزرعُ أو يُروِّجُ أو يتناول هذا النباتَ الخبيث.

تركيبةُ القاتِ الكيميائية:

تَتكوَّنُ نبتةُ القاتِ من مُركَّباتٍ عُضويَّةٍ أهمُّها "الكاثين" و"النوربسيدو إفيدرين" وهي موادُّ تَتشابهُ في تركيبها مع الأمفيتامين، ولهذه الموادِّ تأثيرٌ على الجهاز العصبي، حيث تَتسبَّبُ في إفرازِ بعضِ الموادِّ الكيميائيةِ التي تَعملُ على تحفيزِ الخلايا العصبيةِ مما يُقلِّلُ الشعورَ بالإجهادِ والتعبِ، ويَزيدُ القدرةَ على التركيزِ في الساعاتِ الأولى للتعاطي، ثم يَعقِبُ ذلك شعورٌ بالاكتئابِ والقلقِ.

وفي تقريرٍ صادرٍ عن منظمةِ الصحةِ العالمية عامَ ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعةٍ وسبعين حُصِرَ في نبتةِ القاتِ أربعون مادةً من أشباهِ القلوياتِ، صُنِّفَتْ ضمن مجموعة الكاثيديولين، ومعظمُها يَتشابهُ مع الكوكايين والأمفيتامينات في تأثيرها على المتعاطي، التي تؤدي إلى زيادةِ ضرباتِ القلبِ والنشاطِ الحركيِّ وزيادةِ استهلاكِ الأوكسجين.

وقد أُجرِيتْ تجاربُ على الفئران لمعرفةِ تأثيرِ الكاثينون فوجدوها تعيشُ حالةً من المرحِ الصاخبِ لمدة أربعٍ وعشرين ساعةً عَقِبَ تناولُ الجرعةِ، ثم تَعقِبُها حالةٌ من الاكتئابِ والخمولِ والشعورِ بالأرقِ والقلقِ بعدَ ذلك، وهي حالاتٌ مشابهةٌ لِمَا يَشعرُ به مدمنو القات.

سمومٌ قاتلة في زراعة القات:

في ظِلِّ ضَعْفِ الرقابةِ الحكوميةِ تَضاعفَ خطرُ القاتِ في السنواتِ الأخيرة، لاستخدامِ المزارعين أنواعًا مختلفةً من المبيدات الحشرية في زراعته، كثيرٌ منها غيرُ مُرخَّصٍ به، وتُسبِّبُ في بعض الأحيان فسادً في التُّرْبة. وقد ذكرتِ الإحصائياتُ أنَّ أكثرَ من ثلاثمئةِ نوعٍ من السموم المحرمة دوليًّا وأربعمئةِ نوعٍ آخرَ من السمومِ والمبيداتِ المُهرَّبةِ تَدخلُ اليمنَ لرشِّ زراعة القات، وأنَّ حالاتِ الإصابةِ بالسرطانِ سنويًا تتجاوزُ العشرينَ ألفًا بسبب ذلك، وأن هذه المبيداتِ انتقلَ خطرُها على المزروعاتِ والإنسانِ إلى الكائناتِ الحيةِ الأخرى.

بل صار القاتُ يهدد مستقبلَ المياهِ الجوفيةِ لاستهلاكِه قرابة خمسةٍ وخمسين بالمئة من إجمالي المياهِ المستهلكةِ.

القاتُ والبُنُّ:

كانت اليمنُ من أهمِّ دولِ العالمِ إنتاجًا وتصديرًا لأجودِ أنواعِ البُنِّ، وباستحواذِ القاتِ على معظمِ الأراضي الزراعيةِ لم يَزِدْ إنتاجُ البُنِّ عن اثنين بالمئة من المنتوجاتِ الزراعيةِ الأخرى، لِيتربَّعَ القاتُ على عرشِ المزروعاتِ المُستهلَكةِ داخليًّا والممنوعةِ خارجيًأ، ولو عادتْ للبُنِّ مكانتُه لانتعشتِ البلادُ اقتصاديًّا بعائداتِه الماديةِ الكبيرة، فهو تاجٌ على عرشِ المزروعاتِ عالميًّا وذَهَبُها البرَّاقُ الذي يزدادُ ثمنُه يومًا بعد يوم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز شمسان للصحافة





متعلقات