آخر تحديث للموقع : الجمعة - 25 يوليو 2025 - 10:51 م

مقالات


البنك المركزي بين مطرقة الانهيار وسندان الفساد..

الجمعة - 25 يوليو 2025 - الساعة 05:48 م

الكاتب: دكتور/ قاسم الهارش - ارشيف الكاتب




الزيارة التي قام بها الزميل الصحفي فتحي بن لزرق للبنك المركزي اليمني ولقاؤه بمحافظ البنك لم تكن مجرد لقطة إعلامية عابرة بل جاءت في لحظة حرجة تمر بها البلاد حيث الاقتصاد على شفير الانهيار والعملة المحلية تفقد قيمتها بوتيرة متسارعة والأسعار تشتعل والخدمات تتساقط فيما يقف المواطن اليمني وحيدا. مهدودا من الداخل وصابرا من الخارج.
لقد نقل فتحي صوت الشارع الجائع والغاضب وطرح على طاولة المسؤول أسئلة الناس الذين خذلتهم الدولة وغابت عنهم الحكومة وتنصلت من معاناتهم مؤسسات لا تجيد سوى إطلاق التصريحات ورفع الشعارات.
حديث محافظ البنك المركزي كان لافتا في صراحته وشفافيته وقد نال احترام الكثيرين لتشخيصه الصادق لحالة الانهيار الاقتصادي. لكنه وعلى أهميته لا يكفي. فالناس لا يقتاتون على التشخيص ولا ينتظرون وصفا دقيقا للكارثة بقدر ما ينتظرون حلولا حقيقية وإجراءات ملموسة توقف التدهور وتعيد شيئا من الثقة المفقودة.
لقد تجاوز الموطن مرحلة الصبر الطويل وملوا من الخطابات التبريرية التي لا تغني من جوع. ولم يعد مقبولا التذرع بتعقيد الأزمة أو تحميل المسؤولية للغير. المطلوب اليوم هو الانتقال من مرحلة التحليل إلى مرحلة القرار ومن لغة العجز إلى أدوات الإنقاذ.
الحقيقة التي يجب أن تقال بوضوح إنقاذ الاقتصاد اليمني لم يعد مهمة حصرية على البنك المركزي بل هو تحد وطني شامل يبدأ من مجلس القيادة الرئاسي ويشمل الحكومة بكل وزاراتها مرورا بالسلطات المحلية ولا يعفى منه أي طرف محليا كان أو دوليا.
أين الحكومة؟ أين وزارات المالية والتخطيط والنفط؟ أين الهيئات الرقابية؟ أين المحافظون الذين يتصرف بعضهم بالإيرادات وكأنها ملكيات خاصة خارج سلطة الدولة؟ كيف يمكن إقناع المواطن بأهمية الانضباط المالي بينما تعيش بعض المحافظات في فوضى مالية وإدارية وتدار الموارد وفق مزاج سياسي ضيق لا يخدم إلا مصالح ضيقة؟
نقدر الدعم السعودي ونثمنه عاليا ونؤكد أنه كان ولا يزال سندا مهما للشعب اليمني. لكننا نقول بصدق الوديعة لا تصلح اقتصادا منهارا بمفردها ولا تصنع معجزة في ظل فساد ممنهج وتسيب مالي وإداري. ما تبقى من الوديعة سينفد لكن الأهم هو ما يبنى بعدها.
المعالجة الحقيقية تبدأ بإجراءات إصلاحية جذرية في مقدمتها إعادة تشغيل قطاع النفط والغاز بشكل عاجل توحيد الإيرادات السيادية وتحويلها إلى البنك المركزي وضبط قطاع الصرافة ومكافحة السوق السوداء وتفكيك المنظومات الموازية التي تعبث بسوق العملة وخاصة تلك المحمية بالسلاح أو النفوذ السياسي وفرض رقابة فعالة على مؤسسات الدولة وربط الموازنة العامة بالرقابة والمساءلة ومكافحة الفساد في كافة المؤسسات الإيرادية دون استثناء أو حماية سياسية.
الناس اليوم لا يطلبون المستحيل هم فقط يريدون الحد الأدنى من الحياة الكريمة رغيف خبز بسعر معقول دواء لا يتضاعف سعره كل أسبوع كهرباء لا تعاملهم كزائر موسمي يريدون دولة تنصفهم لا تعاقبهم وتخاطبهم بالأفعال لا بالوعود المؤجلة.
ما لم يكن هناك قرار وطني شجاع يعيد ضبط بوصلة الأولويات ويكسر منظومة الفساد ويمكن البنك المركزي من فرض سلطته الكاملة على كل شبر من البلاد فإن القادم سيكون أسوأ والانهيار سيتسارع والثقة ستتبخر تماما.
لقد سئم اليمنيون من التبريرات وملوا الانتظار ولم يعودوا يثقون في الخطابات هم اليوم يسألون أين الدولة؟ وأين القيادة؟ وأين المستقبل؟
وإذا استمر هذا الصمت الرسمي المخيف فان السؤال القادم لن يكون عن قيمة الريال بل عن قيمة الدولة نفسها.