آخر تحديث للموقع : السبت - 02 أغسطس 2025 - 03:12 ص

مقالات


السعودية تحسم موقفها من الشرعية لا تمويل بلا إصلاحات

السبت - 02 أغسطس 2025 - الساعة 03:12 ص

الكاتب: دكتور/ قاسم الهارش - ارشيف الكاتب




منذ اندلاع الأزمة اليمنية عام 2015 لم تتأخر المملكة العربية السعودية يوما عن الوقوف إلى جانب اليمن سياسيا واقتصاديا وإنسانيا. فقد قدمت ما يتجاوز 20 مليار دولار شملت ودائع مالية بمليارات الدولارات ومنحا نفطية ومساعدات إغاثية وتمويلا مباشرا لمشاريع خدمية وبنى تحتية في مختلف المحافظات.
لكن وعلى الرغم من هذا السخاء غير المسبوق من المملكة العربية السعودية يعيش اليمنيون اليوم واقعا مأساويا رواتب منقطعة كهرباء منهارة خدمات غائبة وأسعار تقضي على ما تبقى من القدرة الشرائية للمواطن.
المواطن اليمني البسيط لم يعد ينتظر الرفاهية بل يطالب بأبسط حقوقه راتب منتظم كهرباء مستقرة تعليم لأولاده وعلاج لا يذل فيه على أبواب المستشفيات. يتساءل المواطن بمرارة كيف لمليارات الدولارات أن تضيع بينما ثلاجته فارغة وأطفاله ينامون على ضوء الشموع؟
السؤال المشروع هنا أين ذهبت تلك المليارات؟ ومن المسؤول؟
للأسف لا تكمن المشكلة في شح الموارد بل في غياب الإدارة الرشيدة وافتقار مؤسسات الدولة للمساءلة والشفافية. لقد تحولت الحكومة الشرعية إلى كيان مشوه تتنازعه الولاءات المناطقية والمصالح الشخصية بينما تتوارى مراكز القرار خلف صمت محير ومريب.
يوثق هذا الانهيار المخيف تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة (2021) الذي أشار إلى اختفاء مئات الملايين من أموال الدعم الاقتصادي وتقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي كشف عن اختلالات مالية تتجاوز 1.7 مليار دولار. ووجود أكثر من مليوني موظف وهمي يتقاضون رواتب دون وجه حق في عبث صارخ بالمال العام.
وفي مواجهة هذا العبث المتفاقم غيرت المملكة العربية السعودية استراتيجيتها منتقلة من الدعم المطلق إلى الدعم المشروط بالإصلاحات الجذرية. وقد طرحت مؤخرا حزمة شروط واضحة لضمان جدوى أي تمويل جديد من بينها توحيد الإيرادات العامة تحت إشراف البنك المركزي في عدن.
صرف المرتبات عبر البنوك الرسمية بعيدا عن الشبكات المشبوهة والمليشيات غير النظامية.
إنشاء منظومة رقابة مالية شفافة تتوافق مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد وغسل الأموال.
لم تأتي هذه الشروط في إطار عقابي بل كخطوة إنقاذية تهدف إلى وقف النزيف المالي وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.
يبقى السؤال المحوري هل تستجيب الحكومة اليمنية لهذا التحول؟
هل تمتلك الشجاعة السياسية لاتخاذ قرارات إصلاحات جريئة؟ أم ستواصل سياسة الإنكار والمراوغة؟
إن استمرار النهج الفوضوي ذاته سيقود إلى رفع الدعم السعودي والدولي بالكامل وسيتحول المانحون إلى البحث عن بدائل ومسارات جديدة للتعامل مع الأزمة اليمنية بعيدا عن قنوات الشرعية القائمة.
وفي ظل هذا المنعطف الحاسم نرفع دعوة وطنية مخلصة إلى الحكومة اليمنية ندعوهم إلى. تجفيف منابع الفساد دون استثناء، إعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس وطنية ومهنية، مصارحة الشعب والمجتمع الدولي بحقيقة الوضع المالي والإداري، احترام الالتزامات والشراكات مع الدول الداعمة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
لقد أرسلت الرياض رسالتها بوضوح لا تمويل لعبث ولا دعم لفوضى.
إن الوطن لا يبنى على التبريرات ولا ينقذ بالأعذار بل بالإرادة الصادقة والعمل المسؤول.
من خلال إصلاحات حقيقية قد تعيد الثقة وتداوي الجراح وتنقذ اليمن من السقوط في الهاوية.
فلا خيار أمامنا إلا أن ننتصر للوطن أو نخسر كل شيء.