تمر المخدرات بطرق عديدة للوصول إلى الدول العربية والأجنبية، وإذ تمعنا جيداً سنجد أن اليمن أصبحت من أهم مناطق العبور لدول الخليج، حيث استغلت مافيا المخدرات الأوضاع السياسية والحرب الأهلية لتبدأ انطلاقة جديدة في الترويج والتهريب من الأراضي اليمنية، بل وأصبحت اليمن جزء من التجارة العالمية للمخدرات حيث أصبحت المنطقة ملاذ آمن للتجارة المحرمة دولياً، مستغلين الأوضاع والصراع الداخلي باليمن.
لا يخفى على أحد كيف يتم دخول المخدرات إلى اليمن، بحسب مصادر أمنية فإن البحر العربي هو المكان الرئيسي والمنطلق الفعلي لتجارة المخدرات في اليمن، فإن كميات المخدرات يتم إدخالها عبر الشريط الساحلي الجنوبي لليمن وعبر محافظات عدة أهمها محافظة المهرة وحضرموت وشبوة والحديدة، فهذه المحافظات تعد المكان الأول التي تأتي إليه المخدرات بمختلف أنواعها، ومصدر المخدرات في اليمن هي أفغانستان وباكستان وإيران .
ميناء الحديدة أحد أهم مناطق التهريب للحوثيين.
حيث يستغل مروّجو المخدرات الفراغ الأمني وتوقف التعليم في اليمن للإيقاع بضحاياهم، بوجود تسهيلات من الحوثيين حيث تعد بيئة الإدمان أرضا خصبة لعمليات الاستقطاب والتجنيد التي تنفذها الميليشيات الحوثية عبر حملات واسعة منذُ سيطرتها على صنعاء.
لكن الأمر ليس مصادفة أو نتيجة غير مباشرة للحرب، بل هي عملية منظمة تستهدف الشباب تحديدا للسيطرة عليهم، وجعلهم وقود للحرب الدائرة منذ انقلابهم والسيطرة على السلطة.
العقيد مياس حيدرة مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالحزام الأمني، كيف ترون انتشار المخدرات في المحافظات الجنوبية ؟
انتشار المخدرات بات في الآونة الأخيرة مصدر قلق للأجهزة الأمنية من عام 2015 وتحديدا منذُ بدء الحرب على عدن من قبل ميليشيات الحوثي، حيث بدأت عملية انتشار المخدرات تتزايد في بلادنا، والسبب يعود إلى الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد جراء الحرب وغياب الأمن وعدم استقرار الأوضاع الأمنية، حيث كانت اليمن قبل حرب الحوثيين محطة عبور للمخدرات ترانزيت إلى الدول المجاورة، لكن بعد الحرب أصبحت الكميات التي تدخل إلى البلاد استهلاكية بين أوساط الشباب، وذلك بسبب ظروف الحرب وغياب الدولة بشكل كلي وسوء الأوضاع الأمنية خلال الفترة السابقة.
العقيد /مياس حيدرة مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في الأحزمة الأمنية.
كم عدد القضايا التي تم ضبطها في العاصمة عدن والمحافظات المجاورة ؟
نحن قمنا بضبط كثير من القضايا ، منها لأشخاص يقومون بالترويج للمخدرات، والبعض يتعاطى تلك المواد المخدرة، والفضل يعود لقائد قوات الأحزمة الأمنية العميد محسن الوالي والجنود البواسل، وأهم تلك المضبوطات كانت في النقاط الأمنية منها نقطة دوفس التي كان لها النصيب الأكبر في عمليات ضبط المخدرات، لكن الإحصائيات الدقيقة ستجودنها في النيابة العامة بخصوص قضايا المتعاطين والنيابة الجزائية بخصوص قضايا المروجين، لكن للأسف القضايا التي تم إصدار الأحكام فيها قليلة جداً مقارنة بالقضايا التي تم ضبطها، فكثير من القضايا مازالت معلقة من قبل المحكمة رغم استكمال كافة الإجراءات القانونية وتسليم ملفات القضايا كاملة إلى المحكمة لإصدار الأحكام حسب إفادة النيابة الجزائية، إلا أن كثير من القضايا لم يتم الفصل فيها حتى الآن، أما بخصوص المحافظات الأخرى فهناك إنجاز أمني بجهاز مكافحة المخدرات في محافظة حضرموت وشبوة والمهرة.
هل هناك فرق بين انتشار المخدرات قبل وبعد الحرب ؟
نعم هناك فرق كبير بين انتشار المخدرات قبل وبعد الحرب، فإن انتشار المخدرات قبل الحرب كان قليلاً ومقصوراً على أنواع معينة من المخدرات مثل الحشيش والحبوب وبكميات قليلة، أما انتشار المخدرات بعد حرب 2015 كان كبير جداً ويأتي باطنان ويدخل إلى عدن والمحافظات المجاورة، حتى مخدر الشبو "الكريستال ميث" الذي يعد دخيلاً على اليمن ولم يكن موجود قبل الحرب، وهو يعد من أخطر أنواع المخدرات.
لماذا تتزايد عمليات التهريب في المناطق الساحلية بعد حرب الحوثيين ؟
طبعا المخدرات لا يوجد لها منفذ في اليمن غير المناطق الساحلية، منها محافظة المهرة وحضرموت وشبوة، رغم الجهود الأمنية الكبيرة لأجهزة مكافحة المخدرات في تلك المحافظات إلا أن تدفق المخدرات مازال مستمر، حيث تمر المخدرات بالمياه الإقليمية عبر سفن صغيرة قادمة من أفغانستان وباكستان وإيران، وتدخل إلى الشريط الساحلي الجنوبي لليمن، فإن اختيار هذه المحافظات لتهريب المخدرات يعود إلى كبر الشريط الساحلي وغياب دور قوات خفر السواحل، واستغلال الحرب في اليمن، رغم ذلك فإن مكافحة المخدرات مستمرة ونحن نشيد بدور الأجهزة الأمنية في محافظة المهرة وحضرموت وشبوة الذين يبذلون جهودا جبارة في الحد والقضاء على تجارة المخدرات .
صور توضح اهم المنافذ التي يتم إدخال المخدرات إلى اليمن .
هل هناك علاقة بين تجار المخدرات والحوثيين ؟
نعم هناك علاقة كبيرة بين تجار المخدرات والحوثيين، خصوصاً بعد اطلاعي وعملي كمدير للإدارة العامة لمكافحة المخدرات في الحزام الأمني منذ عام 2019 ، فإن أكثر القضايا التي تم ضبطها في النقاط الأمنية كانت وجهتها إلى مناطق سيطرت ميليشيات الحوثي وتحديداً إلى صنعاء وهذا كلام المتهمين بعد التحقيقات، وبعد سؤالي لهم ماذا سيعمل الحوثيين بالمخدرات أكدوا إن الحوثيين يتاجرون بالمخدرات ويتم تهريب كميات منها إلى المملكة العربية السعودية، بل أكثر المخدرات التي تدخل إلى اليمن تأتي بطلب من الحوثيين عبر المنافذ الساحلية التي ذكرناها سابقا.
مضبوطات من الحشيش في إحدى نقاط الحزام الأمني كانت في طريقها إلى الحوثيين .
شاهدنا عمليات إتلاف كبيرة للمخدرات منذُ توليكم قيادة الإدارة العامة، ماهي أهم الإنجازات والعقبات التي توجهونها في مكافحة المخدرات ؟
منذُ تولينا قيادة جهاز مكافحة المخدرات في عام 2019 حققنا نجاحات كثيرة بالقبض على متهمين في النقاط الأمنية التابعة لقوات الحزام الأمني في عدة محافظات منها عدن وأبين ولحج، وكان دور النقاط الأمنية كبير في ضبط كميات كبيرة من المخدرات في المدخل الشرقي للعاصمة عدن وتحديداً في نقطة دوفس، حيث قمنا بإتلاف أكثر من 3237 كيلو من مادة الحشيش، و76 كيلو هيروين و101 كيلو من مادة الشبو، وكل هذه الكميات تم ضبطها في مناطق متفرقة وقضايا مختلفة، وتم إتلاف تلك الكميات على ثمان مراحل، أيضا لا ننكر أن هناك قصور أمني في مكافحة المخدرات إلا أن هذا القصور بسبب ضعف الإمكانيات ونقص الدعم العسكري، وهذا الأمر يجعلنا نناشد القيادة السياسية والأمنية بإعادة النظر في احتياجات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات كون حرب المخدرات لا تقل خطورة عن حرب الإرهاب والحوثيين، فإن المخدرات تعد من أكبر الجرائم المنظمة عالمياً العابرة للحدود، فالعالم بأكمله يعاني من المخدرات وهم بإمكانيات عالية ومتطورة، فكيف بناء ونحن بإمكانيات محدودة، فمكافحة المخدرات ليس بالأمر السهل إذ يتطلب فيها التعاون وتكثيف الجهود للحد من انتشارها والقضاء على كل المروجين الذي يريدون تدمير البلاد ونشر هذه الآفة الخبيثة بين أوساط الشباب. إتلاف كمية من الحشيش .
هل تحصلون على دعم من التحالف العربي لعمليات مكافحة المخدرات ؟
في الحقيقة الدعم المقدم من التحالف كله يأتي للجبهات لمحاربة المشروع الإيراني وهذه أمر كبير وبالغ الأهمية إذ يقوم التحالف بدعم سخي وكبير في الجانب العسكري بدعم الجيش والمقاومة في الحرب ضد الحوثيين، لكن نحن في جهاز مكافحة المخدرات لم نحصل على اي دعم من التحالف العربي حتى الآن، لكن نتمنى أن يكون لنا نصيب من دعم التحالف كون حرب انتشار المخدرات لا تقل خطورة عن حرب الحوثيين والإرهاب .
عملية إتلاف كمية من الحشيش في عدن.
هل هناك سجن خاص للمتعاطين ومروجي المخدرات ؟
نحن في إدارة مكافحة المخدرات نقوم بسجن المروجين والمتعاطين فترة التحقيق فقط بعد ذلك يتم إحالة ملفاتهم إلى النيابة الجزائية إذ كان المتهم مروج، أو النيابة العامة إذ كان المتهم متعاطي، بعد ذلك يتم استخراج أمر حبس من النيابة لأحالتهم إلى السجن المركزي.
هل هناك مركز لعلاج المدمنين في عدن أو اي محافظة ؟
لا يوجد مركز لعلاج المدمنين لكن نحن نسعى في الوقت الحالي لإقامة مركز خاص لعلاج المدمنين بإشراف وزارة الصحة، وحصلنا على بعض الوعود من بعض القادة لإنشاء مراكز تخصصية لعلاج المدمنين تحت إشراف نخبة من الأطباء المختصين .
إتلاف كمية من الحشيش في النيابة الجزائية بعدن.
انتشرت مؤخراً مادة الشبو حدثنا عنها ومن المسؤول عن انتشارها في اليمن ؟
مادة الشبو من أخطر أنواع المخدرات التي انتشرت مؤخرًا بين فئة الشباب، لأن تأثيره لا يتوقف عند حد الإدمان فقط، بل قد يصل إلى الوفاة بمجرد تناوله لأول مرة، ويطلق عليه عدة أسماء، مثل الكريستال ميث أو الآيس، ويكون شكله مثل البلورات الفضية المقاربة لشكل الملح، بمجرد تناول مخدر الشبو أو الكريستال ميث لأول مرة يشعر المتعاطي بالمتعة والإثارة الشديدة، ولكنه يبدأ في تدمير حياة الشخص من اللحظة الأولى لدخوله الجسم، لأنه يختلف عن غيره من أنواع المخدرات الأخرى بأنه سريع الإدمان، أي من الممكن أن تكون المرة الأولى لتناوله هي بداية طريق الإدمان، ويكون تأثيره قوي جدا فيصبح المتعاطي عدواني، وعملية صنع مادة الشبو المخدرة في اليمن كانت عبر معامل صغير، إذ بدأت هذه المعامل بصنع الشبو بشكل بسيط ليتطور الأمر إلى وجود عدة معامل حسب ما وصل إلينا، ويعمل فيه يمنيون وباكستانيون وأشخاص من جنسيات أخرى.
الأجهزة الأمنية في حضرموت أعلنت العثور على مصنع للشبو، هل تعتبر حضرموت هي المورد الرئيسي لشبو؟
ليست محافظة حضرموت هي المورد الرئيسي للشبو، لكن حسب تصريحات أمنية سابقة أنه يوجد مصانع للشبو في حضرموت لكن يعتبر إنتاج حضرموت جزء من الاستهلاك الداخلي لهذه المادة فأكثر هذه المادة مستوردة من الخارج، وقد تم ضبط كميات من الشبو المصنع خارجياً.
لماذا اختار تجار المخدرات محافظة حضرموت منطلق لعملياتهم ؟
ليست حضرموت وحدها منطلق لانتشار المخدرات فمثل ما قلنا سابقاً أن تجار المخدرات يستغلون الأوضاع السياسية والحرب في البلاد في أعمال التهريب، فالتهريب يأتي من عدة محافظات مثل المهرة وشبوة إلى جانب حضرموت، ولا ننسى جهود الأجهزة الأمنية في تلك المحافظات الذين يعملون في الليل والنهار لمحاربه هذه الآفة الخطيرة التي تدمر شبابنا وبناتنا .
محافظة حضرموت أحد أهم مناطق تصنيع الشبو.
ماهي خططكم القادمة في عملية الحد من انتشار المخدرات في عدن والمحافظات الجنوبية ؟
نحن نحاول وبكل قوة الحد من انتشار المخدرات داخل العاصمة عدن والمحافظات المجاورة، رغم عمليات التهريب إلا أننا في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات نعمل بكل جهد ونحاول تأهيل وتدريب فريق أمني كبير متخصص في عمليات الرصد والمداهمة والمتابعة لكل مروجي المخدرات، إضافة إلى ذلك نحاول إقامة مركز متخصص لعلاج المدمنين الذي أصبحوا ضحايا للمخدرات وستكون هذه المركز تحت إشراف كادر طبي متخصص، فحرب المخدرات كبيرة وتتطلب تكاتف الجميع دون استثناء، وأكثر من يسهل عملنا هو تعاون المواطنين واللجان المجتمعية مع الأجهزة الأمنية في عملية الإبلاغ عن المروجين .
رسالة توجهها للشباب وأولياء الأمور !
الشباب اهم فئة داخل المجتمع، ودورهم مهم في بناء الدول وهم العمود الفقري للوطن، فلا وطن دون شباب، لهذا في كل الحروب تكون فئة الشباب هي المستهدفة، ونحن نقولها صراحة نحن أمام حرب واضحة تريد النيل من شبابنا وبناتنا بنشر المخدرات وتسهيل عملية بيعها وإدخالها إلى البلاد، فنحن أمام حرب مفتوحة يجب أن يدركها الجميع ويستوعبها الشباب، أن حرب المخدرات من أخطر الحروب في العالم، فابشع الجرائم ترتكب بالمخدرات، لهذا أنصح الشباب بعدم الدخول في طريق المخدرات، فإنها تهدم الأسرة وتفرق الجماعة وتشتت الأفكار وتمحي المستقبل فطريق المخدرات يعني الموت، أتمنى أن يفهم ويعي شبابنا وبناتنا حرب المخدرات وخطرها على المجتمع، وأن ينظروا إلى المستقبل ويكونوا أكثر وعيا في مكافحة هذا الآفة الخطيرة التي تهدم الأوطان، ورسالتي إلى أولياء الأمور أن يتابعوا أبناءهم فإن أكثر من وقعوا في طريق المخدرات هم شباب غاب دور الأسرة عنهم، وانتم تعلمون أن غياب دور الأسرة في متابعة الأبناء يجعلهم عرضه وضحية للمخدرات، لا أريد الإطالة لهذا يجب أن يعلم الجميع أن أبناءنا وبناتنا في خطر ونحن أمام حرب مفتوحة مع المخدرات.