آخر تحديث للموقع : الأربعاء - 08 أكتوبر 2025 - 10:47 م

الذكرى 62 لثورة 14 اكتوبر .. مرحلة جديدة و رسالة جنوبية الى العالم  

الأربعاء - 08 أكتوبر 2025 - الساعة 09:25 م بتوقيت اليمن ،،،

تقرير/ منير النقيب 



في لحظة تاريخية تتجدد فيها روح الثورة، يحتفي شعب الجنوب العربي بالذكرى الـ(62) لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، وهي الذكرى التي تفوح بعبق النضال الوطني ضد الاستعمار، وتختزل في طياتها ذاكرة الكفاح الجنوبي الممتد منذ أكثر من ستة عقود. غير أن هذه الذكرى في عامها الثاني والستين تأتي اليوم في ظرف استثنائي، حيث يخوض الجنوب معركته الأخيرة نحو التحرير واستعادة الدولة، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي.


لقد تحولت ذكرى أكتوبر هذا العام من مناسبة وطنية رمزية إلى حدث سياسي وميداني بالغ الأهمية، يحمل في جوهره رسائل متعددة للداخل والخارج، ويعكس الإرادة الشعبية الجنوبية الراسخة في التمسك بحقها المشروع باستعادة دولة الجنوب الفيدرالية كاملة السيادة، على حدودها المعترف بها دوليًا ما قبل 21 مايو 1990م.

*الضالع.. رمزية المكان والتاريخ


اختيار محافظة الضالع لتكون ساحة الاحتفاء المركزي ليس صدفة، فالضالع لم تكن يومًا خارج معادلة الجنوب التحررية. هذه المحافظة التي كانت شرارة الثورة ضد الاحتلال البريطاني في ستينيات القرن الماضي، هي نفسها التي تصدت ببسالة لقوات الاحتلال اليمني عام 2015، وكسرت شوكته في معارك مشهودة لا تزال محفورة في الذاكرة الجمعية للجنوب.
ويرى مراقبون أن إحياء فعالية ذكرى أكتوبر في الضالع يحمل أبعادًا سياسية وعسكرية بالغة الدلالة، إذ تأتي في مرحلة دقيقة من تاريخ الجنوب، مع تصاعد الحراك السياسي والعسكري، واستمرار الحشود الجماهيرية المؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي في معظم المحافظات الجنوبية.الضالع، التي يصفها الجنوبيون بـ"بوابة الجنوب"، ستكون هذا العام بمثابة منصة إعلان الموقف الجنوبي الثابت: لا عودة عن مشروع الاستقلال، ولا بديل عن السيادة الكاملة.


*حضرموت مركز الثقل السياسي


وفي السياق ذاته، تتجه الأنظار أيضًا نحو محافظة حضرموت، التي تستعد لإقامة احتفالاتها الخاصة بهذه الذكرى العظيمة، لتؤكد من جديد أن الجنوب بجميع محافظاته يقف خلف قيادته الموحدة، ويمضي على نهج التحرير والاستقلال.
وتأتي مشاركة حضرموت هذا العام ضمن جهد وطني متكامل يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي، لربط كل المحافظات الجنوبية بروح الثورة الواحدة، في مواجهة مشاريع التفكيك والتشويه التي تحاول أطراف معادية بثها لإرباك الصف الجنوبي.


*دعوة الزُبيدي ورسالة إلى العالم 


الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، الذي يولي هذه المناسبة أهمية استثنائية، وجه دعوة واضحة وصريحة لأبناء الجنوب للاحتشاد في الضالع وحضرموت، والمشاركة الفاعلة في فعاليات الذكرى الـ62 لثورة أكتوبر.
الدعوة لم تكن مجرد حثٍّ جماهيري، بل نداء وطني شامل يحمل رسالة سياسية قوية للمجتمعين الإقليمي والدولي، مفادها أن شعب الجنوب صاحب مشروع وطني استراتيجي ثابت، لا يخضع للتقلبات، ولا يقبل المساس بحقوقه التاريخية والسيادية.


وبحسب محللين سياسيين، فإن التفاعل الشعبي المتوقع في هذه الفعاليات سيكون مقياسًا حقيقيًا لمدى تلاحم الشارع الجنوبي خلف قيادته، وقدرته على تحويل الذاكرة الثورية إلى طاقة سياسية متجددة تدفع باتجاه تحقيق الأهداف الكبرى للمشروع الجنوبي.


*من ثورة أكتوبر إلى معركة التحرير 

 
يشير كثير من المراقبين إلى أن ما يجري اليوم في الجنوب يشبه – إلى حدٍّ كبير – مراحل الكفاح التي سبقت رحيل الاحتلال البريطاني عام 1967.


المعادلة التاريخية تكاد تتكرر: شعب يناضل من أجل حقه في الحرية والسيادة، وقيادة موحدة تتولى إدارة النضال على المستويين السياسي والعسكري.

ولعل ما يميز اللحظة الراهنة أن الجنوب بات يمتلك مقومات الدولة على الأرض، من قوات مسلحة جنوبية منظمة تمتلك الولاء الوطني الخالص، إلى كيان سياسي جامع يتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي، فضلاً عن حضور دبلوماسي متصاعد لقضية الجنوب في المحافل الدولية.


*الدبلوماسية الجنوبية

منذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عملت قيادته على نقل القضية الجنوبية من مربع التهميش إلى فضاء الاعتراف الدولي.
وشهدت السنوات الأخيرة حضورًا لافتًا للرئيس القائد عيدروس الزُبيدي في المحافل الإقليمية والعالمية، كان آخرها المشاركة الثالثة على التوالي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث التقى الزُبيدي بعدد من قادة الدول وممثلي المنظمات الدولية، مؤكدًا على عدالة قضية الجنوب وحق شعبه في تقرير مصيره.


هذا الحضور الدبلوماسي المتزايد، بحسب مراقبين، يعكس تطورًا نوعيًا في مسار النضال الجنوبي، وينقل القضية من مستوى النضال الثوري إلى مستوى الشرعية السياسية الدولية، الأمر الذي يثير قلق الأطراف المناوئة للمشروع الجنوبي، ويجعلها تكثف حملاتها الإعلامية والسياسية لإضعاف هذا الزخم المتنامي.


*رمزية التوقيت


تأتي الذكرى الـ62 لثورة أكتوبر هذا العام في مرحلة تعتبرها الأوساط الجنوبية الأكثر حساسية منذ عام 2015، مع استمرار التحديات الأمنية والعسكرية، ومحاولات قوى النفوذ الشمالية إعادة تموضعها في بعض المناطق الجنوبية.
لكن في المقابل، فإن الجنوب يعيش اليوم حالة من الوعي الجمعي المتجذر واللحمة الوطنية غير المسبوقة، مدعومة بقيادة سياسية متماسكة، وأجهزة أمنية وعسكرية وطنية أثبتت كفاءتها في مواجهة الإرهاب وحماية الأرض والهوية.


إنّ ما تحقق اليوم من إنجازات في الملف الأمني والسياسي والعسكري، يمثل ثمرة تضحيات جسام قدّمها أبناء الجنوب في جبهات الضالع ويافع وشبوة وأبين وعدن، في سبيل الدفاع عن حقهم في الحياة الحرة الكريمة.


*الضالع مهد الثورة وبوابة القرار


تصف قيادات جنوبية فعالية أكتوبر في الضالع بأنها فعالية مفصلية، حيث تنطلق منها رسالة واضحة للعالم: أن الجنوب يملك قراره بيده، وأنه مستعد لخوض معركة السلم إن احترمت إرادته، ومعركة الحرب إن فُرضت عليه.
فالضالع ليست مجرد محافظة، بل رمز للثبات والإرادة الجنوبية، حيث قدمت خيرة رجالها في سبيل الدفاع عن الجنوب، وكانت على الدوام صمام الأمان للهوية الجنوبية.


*استمرارية النضال 


إن ما يخوضه اليوم المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته المسلحة من نضال وتضحيات، ما هو إلا امتداد لنضالات الأجداد والآباء الذين فجّروا ثورة أكتوبر عام 1963 ضد الاحتلال البريطاني.


روح الثورة التي اشتعلت في جبال ردفان لا تزال حية في صدور الجنوبيين، تتجسد اليوم في معارك الشرف والكرامة التي تخوضها القوات الجنوبية ضد الميليشيات الحوثية والإرهاب.. وبهذا المعنى، فإن ثورة أكتوبر لم تنتهِ، بل تواصلت جيلاً بعد جيل، من معارك التحرير الأولى إلى معركة استعادة الدولة، ومن جبهات الكفاح المسلح إلى أروقة السياسة والدبلوماسية.


*التحديات وإرادة الصمود


يدرك الجنوبيون أن المرحلة الراهنة مليئة بالتحديات، وأن أعداء الجنوب يحاولون استهداف إنجازاته السياسية والعسكرية، وضرب وحدته الداخلية، لكنهم في المقابل يملكون إرادة لا تُكسر، وشعبًا صلبًا يلتف حول قيادته في أصعب المنعطفات.
لقد فشلت كل محاولات كسر الإرادة الجنوبية، لأن هذا الشعب اختار طريقه بوعي، وأدرك أن كرامته لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعًا.


*ذكرى مختلفة ورسالة للعالم


تؤكد المعطيات السياسية والميدانية أن احتفالات هذا العام ستكون الأكثر تأثيرًا منذ إعلان تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي.


*مرحلة جديدة 


فكل تفاصيل المشهد توحي بأن الجنوب يقف على أعتاب مرحلة جديدة من نضاله الوطني، مرحلة عنوانها الثبات خلف القيادة الجنوبية، واستكمال ما بدأه الأجداد قبل 62 عامًا.


ومن الضالع إلى حضرموت، ومن عدن إلى المهرة، سيرفع أبناء الجنوب علم دولتهم عالياً، مرددين أن ثورة أكتوبر ما زالت مستمرة، وأن الجنوب الذي حرر أرضه من الاستعمار قبل ستة عقود، سيستعيد دولته وسيادته قريبًا.


*عهد جديد 


في الذكرى 62 لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، يجدد الجنوب عهده لثورته وهويته، ويؤكد للعالم أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الجنوب يمضي بخطى ثابتة نحو تحقيق حلم الاستقلال وبناء دولته الفيدرالية المنشودة.


هي ذكرى تتجاوز الماضي لتصنع الحاضر، وتفتح الباب أمام مستقبلٍ عنوانه الكرامة والسيادة، بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، الذي يقود الجنوب من ساحات النضال إلى أروقة القرار العالمي بثقة واقتدار.
 


 
*البعد الإقليمي والدولي وذكرى أكتوبر  



لا يمكن قراءة احتفالات الذكرى الـ62 لثورة الرابع عشر من أكتوبر بمعزل عن التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي جعلت من الجنوب العربي لاعبًا محوريًا في معادلة الأمن الإقليمي، خصوصًا في البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر، حيث تمر أهم خطوط الملاحة والتجارة العالمية.
ففي ظل التوترات الجارية في البحر الأحمر، وعودة التصعيد الحوثي الذي يهدد أمن الملاحة الدولية، بات الجنوب، بقواته المسلحة وبموقعه الاستراتيجي، ركيزة أساسية في حماية المصالح الدولية والإقليمية، وهو ما منح القضية الجنوبية زخمًا متزايدًا في دوائر صنع القرار العالمي.
ويرى محللون أن الموقف الجنوبي بقيادة المجلس الانتقالي يتقاطع مع مصالح دولية في تحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب وضمان حرية الملاحة، وهو ما عزز من حضور الجنوب كطرف مسؤول يمتلك مشروعًا واضحًا، في مقابل أطراف أخرى غارقة في صراعات النفوذ والأجندات الخارجية.
إن الحضور الدولي للرئيس القائد عيدروس الزُبيدي في المحافل الأممية لم يكن مجرد نشاط بروتوكولي، بل امتداد لدبلوماسية جنوبية فاعلة نجحت في نقل صوت الجنوب إلى مواقع التأثير، وتأكيد أن الاستقرار في اليمن والمنطقة لا يمكن أن يتحقق دون حل عادل وشامل للقضية الجنوبية يضمن حق شعب الجنوب في تقرير مصيره واستعادة دولته.
وفي هذا السياق، تأتي الذكرى الـ62 لثورة أكتوبر كحدث وطني يُترجم إلى موقف استراتيجي معاصر، يربط بين تضحيات الماضي واستحقاقات الحاضر، ويضع الجنوب في صدارة التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة.
فالجنوب لم يعد مجرد ملف داخلي، بل أصبح مفتاح توازن إقليمي لا يمكن تجاوزه في أي معادلة سياسية أو أمنية قادمة.


*استفتاء شعبي


ومن هنا، فإن الحشود الشعبية المنتظرة في الضالع وحضرموت ستكون بمثابة استفتاء شعبي مفتوح يؤكد للعالم أن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن مصادرتها، وأن الجنوب ماضٍ في طريقه بثقة نحو دولته الفيدرالية المستقلة، كجزء فاعل ومؤثر في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.




متعلقات