يُجسّد مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حالة سياسية فريدة لكنها في جوهرها تمثل جزءا من هندسة متعمدة لإدامة “الفوضى المقنّنة” ذلك النوع من الاضطراب الذي لا يبلغ حدّ الانفجار الكامل ولا يسمح في الوقت ذاته بأي استقرار حقيقي.
معادلة تُبقي المشهد السياسي غارقًا في الصراعات الداخلية المرهقة وتمنع أي طرف من بلوغ مستوى القوة الكافية لفرض حل أو حتى صياغة مستقبل جديد للبلاد.
وجود المجلس بصيغته الحالية لا يعني سوى إعادة إنتاج واقع ميت سياسيًا يقوم على بقاء حالة لا حلّ ولا سلم، لا حرب ولا مستقبل، ولا سيادة .
إنه نموذج لجمودٍ مدروس تُدار فيه الانقسامات من دون السماح بحلها وتُعمّق فيه التبعية لأجندة لا ترى في اليمن أكثر من ملف مؤجل على رفّ المصالح الإقليمية والدولية.
المجلس بتكوينه الهشّ، ليس إطارا للحكم بقدر ما هو أداة لإدارة الصراع وضبط إيقاعه ضمن الحدود المرغوبة.
هذه الديناميّة في جوهرها تقوم على فكرة التخلص من وجع الرأس المسمى اليمن وترك ملفه في درج منسي لفترة طويلة تمتد لعقد أو عقدين أو أكثر والتفرغ لما هو أهم من هذا البلد المسبب للصداع .
القضية الجنوبية تُمثل المثال الأوضح على هذا النهج إذ تحوّلت من القضية الأهم والتي تستحق حلاً جذريًا إلى ورقة داخل معادلة الفوضى حيث يجري تفكيكهامن خلال تغذية الانقسامات وإذكاء الفتن بين الجنوبيين لمنع تشكل كتلة صلبة قادرة على فرض مسار واضح نحو الاستقلال أو الدولة
بهذا الشكل، يظل الجنوب رهينة لصراعات مفتعلة تُستنزف فيها الطاقات والموارد والوعي الجمعي فيما تتبدد فرص بناء دولة ذات سيادة أو مستقبل مضمون.
استمرار المجلس بهذا النهج لا يعني سوى ترسيخ حالة المرض المزمن المبني على تغييب الحلول وانعدام السلام الحقيقي واستحالة الحرب الحاسمة.
إنه مشهد لا يتحرك إلى الأمام ولا يعود إلى الوراء فقط يدور في حلقة مُحكمة من العبث السياسي الذي يُدار بخبث بارد.