آخر تحديث للموقع : الأحد - 08 يونيو 2025 - 11:26 م

الأهداف السامية والأحداث الدامية - الأزمة التي فجّرت أحداث 20يونيو 1967م.. قائد الجيش يُهدِّد وكبار الضباط العرب يُصعِّدون

الأحد - 16 أبريل 2023 - الساعة 02:19 ص بتوقيت اليمن ،،،

غرفة الدراسات والبحوث لمركز شمسان للصحافة

المذكرة (8)

قبل استشهاد الرائد عبد القوي المفلحي، كانت المخابرات البريطانية، ومعها مخابرات حكومة اتحاد الجنوب العربي في ذلك الوقت نائمة تماماً، ولم تكن تعلم بحقيقة ما يدور داخل الجيش والأمن من ولاءات وانضمامات وتأطيرات إلى تنظيمات الثوار، والعمل بروح الجسد الواحد.


لكن ما حدث من تظاهرات غاضبة في تشييع جنازة الشهيد عبد القوي أصاب جهازي المخابرات البريطانية والاتحادية بصدمة عنيفة هزّت أركانهما، وجعلت الأرض تمور من تحت أقدامهم؛ لأن جهازي الاستخبارات أيقنا أن الجيش والأمن قد غاصا في رمال السياسة المتحركة، وأن الأوان قد حان لتقويم حالة الجيش والأمن المرهون بهما مستقبل اتحاد الجنوب العربي، الذي أصبح في مهب الريح، وسيعصف بكل آمال بريطانيا معه.

من هنا ركزت المخابرات البريطانية، ومعها مخابرات حكومة الاتحاد على العناصر القيادية من كبار الضباط في الجيش والأمن، وتقصَّت وتحرَّت وجمعت كل التقارير التي تحدد انتماءاتهم السياسية؛ وفي ضوء ذلك رسمت خطة محكمة، تتكون من ثلاثة اتجاهات:

- الاتجاه الأول: يتمثل بتوجيه ضربة قاضية لكبار الضباط المنضوين في تنظيم الثوّار داخل الجيش والأمن؛ بإقصاء العناصر القيادية منهم وإبعادهم عن أي مراكز أمنية مهمة وحساسة.

- الاتجاه الثاني: استبدال هذه العناصر القيادية، بأخرى من الضباط الموالين لحكومة الاتحاد حتى تضمن بريطانيا وحكومة الاتحاد، حياد الجيش والأمن، وضمان السيطرة على القيادات ذات المناصب الحساسة والمهمة.

- الاتجاه الثالث: تحويل كبار الضباط، بأمر قائد الجيش البريطاني في عدن القائد (داي)، بالتنسيق مع العقيد ناصر بريك عولقي.

وفعلاً تم تنفيذ الخطة الاستخبارية، وصدر أمر التحويل من قيادة الجيش؛ فاجتمع الضباط الذين صدر بحقهم أمر التحويل، وطالبوا بمقابلة قائد الجيش، وفي المقابلة وضّحوا لقائد الجيش ما ينطوي عليه أمر تحويلهم من ظلم وخطورة، وحاولوا إقناعه بالعدول عن قراره لكنه رفض طلبهم؛ لأنه كان على قناعة مسبقة بقراره وموقفه، خصوصاً أنه متأكد جيداً أن وزير الدفاع السلطان فضل بن علي لا يستطيع أن يُعارضه، ولا يمكنه أن يعمل شيئاً، في ظل وجود قائد جيش بريطاني الذي هو أعلى سلطة من وزير الدفاع، ما دام وزير الدفاع عربيًّا (يمنيًّا).

لم تكن القوانين العسكرية في الجيش منصفة، ولا عادلة، فالضابط العربي في الجيش مهما كانت رتبته عالية، كان لزاماً عليه أن يؤدي التحية إلى الصف ضابط الإنجليزي

وفي الأول من مايو عام (1967م)، اجتمع كبار الضباط والقادة الذين أمر قائد الجيش بتحويلهم من مناصبهم ومواقعهم القيادية المهمة، واتفقوا على مقابلة قائد الجيش، وحُدِّدَ موعد اللقاء في 18 مايو 1967م، وعند اللقاء، حضر قائد الجيش ومساعدوه من إنجليز وعرب.

كان العقيد ناصر بريك صاحب أعلى رتبة، ويُعد نائب قائد الجيش. ولم يسفر اللقاء مع قائد الجيش عن الخروج بأي حل؛ لتمسُّك قائد الجيش بموقفه، قائلًا لهم: إن أمر التحويل، هو حماية للجيش من التدخل في الشؤون السياسية.

بعد فشل اللقاء مع قائد الجيش ومساعديه لإقناعهم بالعدول عن أمر تحويل كبار القادة والضباط، لم يجد كبار القادة والضباط الذين شملهم أمر التحويل من مناصبهم أمامهم سوى الاجتماع، وفيه قاموا بإعداد مذكرة احتجاج، وأرسلوها إلى المندوب السامي رأساً (مباشرة)، أوضحوا فيها ما يجري داخل الجيش من تجاوزات وخروقات للقوانين العسكرية والنظم واللوائح الإدارية، أسفرت عن إلحاق الظلم بهم، عندما تم تحويلهم من مناصبهم، من دون التقيد بتلك النظم واللوائح والقوانين.

كلّف المجتمعون العقيد محمد سعيد شنظور بمراجعة المذكرة وطبْعها ، قبل إرسالها، وذلك بعد الاتفاق على النقاط والمطالب التي وردت فيها، وسُلِّمت المذكرة إلى مكتب المندوب السامي البريطاني في عدن، في تاريخ 15 يونيو 1967م بعد اكتمال توقيع الضباط الذين شملهم أمر التحويل على المذكرة.

أما الضباط الذين وقّعوا مذكرة الاحتجاج فهم:
1- العقيد محمد سعيد شنظور، قائد كتيبة التدريب.
2- العقيد حسين عثمان عشال، قائد المنطقة الوسطى.
3- العقيد أحمد محمد بن عرب، قائد المنطقة الشرقية.
4- العقيد حيدر صالح الشريف، أركان حرب الإدارة والتموين.
5ـ المقدم ناجي عبد القوي محلاي، قائد الكتيبة الأولى.
6ـ المقدم سالم عبد الله عبدلي، قائد الكتيبة الرابعة.
7ـ المقدم سعيد أحمد عوذلي، قائد الكتيبة الثالثة.
8- المقدم علي عبد الله ميسري، قائد الكتيبة الخامسة.
9ـ المقدم أحمد محمد بلعيد، قائد كتيبة الإشارة.
10ـ المقدم يسلم عشيش، قائد حامية عتق.

وعند اطلاع المندوب السامي على المذكرة الاحتجاجية، طلب حضور قائد الجيش (دبليو داي)؛ لبحث ما جاء في المذكرة، فعَدَّ قائد الجيش تقديم المذكرة مباشرة للمندوب السامي من قبل مجموعة كبار الضباط، تمرداً عسكرياً، وأمراً مخالفاً للقانون العسكري، وكل قوانين الجيش.

تصاعد الموقف بشكل خطير عندما عاد قائد الجيش مباشرة إلى مقر قيادة الجيش، وأصدر أوامره بتوقيف جميع الضباط الموقعين على المذكرة عن ممارسة أعمالهم وأنشطتهم اليومية. كما أمر بسرعة إخلائهم المنازل التي مُنِحَتْ لهم من قبل الجيش، في مدة أقصاها أسبوع واحد.

هذه الأوامر والتعليمات الظالمة بحق أولئك الضباط، خلقت غلياناً كبيراً. ليس داخل الجيش فحسب، بل تعدّى الأمر إلى خارج الجيش، لتشكل الأساس الذي قامت عليه انتفاضة (20 يونيو 1967م).

تنبيه: سلسلة الأهداف السامية والأحداث الدامية تأخذُ لُبَّ الكلامِ من مُذكّرات اللواء المتقاعد / محمد قاسم بن عليو اليافعي ، الذي وثَّق سيرته النضالية قبل رحيله عن الدنيا ووثَّق تاريخ الجنوب وأهم أحداثه التي عاشها وعايشها وشارك فيها منذ عام 1952 حتى عام 1990م، وأعادت غرفة الدراسات والبحوث لمركز شمسان للصحافة صياغة المذكراتِ بعباراتٍ موجزةٍ تتوافقُ مع مضمون النص الأصلي للمذكرات.




متعلقات