آخر تحديث للموقع : الأحد - 03 أغسطس 2025 - 01:30 ص

هائل سعيد أنعم شركة فوق الدولة

الأحد - 03 أغسطس 2025 - الساعة 01:29 ص بتوقيت اليمن ،،،

بقلم: د. قاسم الهارش



في بلد يعيش أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، تنهار فيه العملة، ويتاكل فيه دخل المواطن، ويحرم فيه ملايين اليمنيين من أبسط مقومات الحياة، تصر مجموعة هائل سعيد أنعم إحدى أكبر التكتلات التجارية في اليمن على التمرد على توجيهات الحكومة المتعلقة بتخفيض أسعار السلع الأساسية، وكأنها فوق الدولة، لا تخضع لقانون، ولا تستجيب لقرارات سيادية، ولا تسال عن ثروات الشعب التي تمنح لها بلا حسيب أو رقيب.
هذا الموقف الاستعلائي لم يعد مجرد اجتهاد اقتصادي أو موقف تجاري، بل أصبح تمردا واضحا على مبدأ الشراكة الوطنية، وإهانة لكرامة الدولة، وسلوكا يتنافى مع أبسط مسؤولياتها القانونية والأخلاقية. والأسوأ من ذلك، أن هذا التمرد جاء بعد أن كشفت تقارير فريق خبراء الأمم المتحدة أن من أصل 423 مليون دولار صرفت من المال العام إلى عدد من التجار، حصلت مجموعة هائل سعيد أنعم وحدها على نحو 48% منها ما يعادل نصف مليار دولار تقريبا دون معايير واضحة أو رقابة مؤسسية أو مسوغ قانوني.
كيف تمنح هذه المجموعة كل هذا الدعم من المال العام تحت ذريعة توفير السلع، ثم تمتنع في قمة الأزمة عن تخفيض الأسعار، بحجة أنها غير معنية بقرارات الدولة؟
أليست هذه قمة الاستخفاف بالحكومة والمواطن؟
وهل المطلوب من المواطن اليمني أن يجوع مرتين مرة بسبب الحرب، ومرة بسبب احتكار السوق من قبل شركات لا ترى سوى الأرباح؟
إن السكوت الرسمي على هذا السلوك لا يدين الشركة فقط، بل يدين الحكومة ذاتها، ويضع علامات استفهام خطيرة.
من الذي أمر بصرف هذه الأموال الطائلة دون شفافية أو مناقصات أو إجراءات قانونية؟
لماذا تمنح شركة واحدة امتيازات بهذا الحجم؟
هل انعكس هذا الدعم فعليا على أسعار السلع كما زعم؟ أم أنه كان مجرد تمويل مجاني لفئة تجارية احتكارية تعيش على حساب المواطن؟
إن ما يحدث اليوم هو جريمة اقتصادية مكتملة الأركان، تمس لقمة عيش المواطن، وتعبث بالمال العام، وتشرعن نفوذا غير مشروع لشركات أصبحت تتصرف وكأنها دولة داخل الدولة.
ازدواجية مخجلة أين كانت شركات هائل سعيد أنعم عندما فرض الحوثيون الخمس؟
وإذا أردنا الحديث عن الازدواجية، فلا يمكن أن نغفل موقف مجموعة هائل سعيد أنعم الصادم عندما فرضت جماعة الحوثي بصفتها سلطة أمر واقع ما يسمى بـالخمس، على الشركات الخاصة.
ورغم أن هذا القرار يعد انتهاكا فاضحا للقانون ويشرعن النهب باسم الحق الإلهي، لم تنبس المجموعة بكلمة، ولم تصدر بيانا، ولم ترفض أو تمانع، بل دفعت الأموال صامتة دون اعتراض.
تطيع الحوثي وتتمرد على الحكومة من يحاسب مجموعة هائل سعيد أنعم؟
فلماذا تتمرد على الحكومة الشرعية حين تطالبها بتخفيض الأسعار؟ لكنها تذعن لجماعة مسلحة حين تطالبها بجبايات طائفية؟
هل معيار الانصياع هو قوة السلاح وليس قوة القانون؟
وهل صارت بعض الشركات ترى في الدولة جهة ضعيفة يمكن تحديها، بينما تذعن لمن يملك القوة الجبرية؟
إن ما يجري اليوم لم يعد مجرد خلل اقتصادي، بل تجاوز ذلك ليصبح انحرافا في ميزان السلطة بين الدولة والسوق.
لذلك فإننا نطالب.
فتح تحقيق قضائي ومالي شامل في أوجه صرف هذه الأموال، ومحاسبة كل من تورط في تمريرها دون سند قانوني، تجميد كافة الامتيازات المالية والتجارية الممنوحة لمجموعة هائل سعيد أنعم إلى حين استكمال التحقيق، نشر تقرير خبراء الأمم المتحدة كاملا وشفافا أمام الشعب، فهذه الأموال ليست ملكا لأحد، بل حق عام، إصدار موقف رسمي واضح من الحكومة تجاه الشركات التي ترفض الانصياع لتوجيهاتها، حفاظا على ما تبقى من هيبة الدولة.
إن الشعب اليوم لا يحتاج إلى صدقات أو منح مشروطة، بل إلى دولة قوية تعيد التوازن بين السوق والسيادة، وتكبح جماح من يظن أن المال يعفيه من المحاسبة.
إن السكوت عن هذا العبث هو تفريط بالسيادة، وإهانة لحقوق الناس، وخيانة لدماء الشهداء ولمبدأ العدالة.
والمعركة اليوم لم تعد فقط ضد الحوثي والفقر، بل ضد احتكار السلطة والمال، وضد شركات تعتقد أن الوطن سوق، والمواطن مجرد زبون لا صوت له.

اليمنيون يستحقون دولة لا شركات تبتلع الدولة.




متعلقات